«إن ما قام به الشهيد البطل سليمان خاطر هو عمل بطولي بالمقاييس كافة»
في الخامس من تشرين الأول عام 1985 طلع نجم كشهاب ثاقب من سماء مصر.؟. لم
يلبث أن غيّب في غرفة من غرف مستشفى السجن الحربي.. في السويس ذلك هو
الشهيد البطل الرقيب المجند: سليمان ...محمد خاطر، من قرية أكياد البحرية
في محافظة الشرقية بمصر.
كان كلّ شيء هادئاً في موقع النقطة 46 التي أوكل إلى رجالها تأمين حدود مصر من ناحية خليج العقبة، ومراقبة المياه الإقليمية والشاطئ
والطريق الممتدّ من طابا إلى شرم الشيخ. مروراً بنوبيح. وقد وصفت النيابة
العامة العسكرية التي حققت فيما بعد، مع بطلنا سليمان خاطر تلك المنطقة
بأنها:
«جبلية صخريّة شديدة الوعورة»(1) وبالتالي، فلا يمكن لأحد أن يخلط بينها
وبين المناطق السياحية ليبرّر تواجد الإسرائيليين فيها. إنها منطقة غير
سياحية، ولا يجوز اعتبارها غرضاً سياحياً، بل إن أقرب مكان سياحي لها، يقع
على بعد 21 كم جنوباً و46 كم شمالاً.
وكان الرقيب المجند سليمان خاطر آمراً لتلك النقطة المزوّدة بوسائل اتصال
القطعات التي تتمركز في القطاع /جـ/ حسب تقسيم معاهدة (كامب ديفيد)
للمنطقة. وقد أعطي مدفعاً رشاشاً لحمايتها، مع الأمر بعدم السماح لأحد
بالدخول إلى ذلك المركز إلاّ بإذن، مهما كان شأنه.
كان الوقت بعد الغروب بقليل، وقد أخذ الليل يزحف على تلك الهضاب الصخرية
الجرداء منذراً بحلول ظلام كثيف وطويل.. وفجأة، أخذت أخيلة تتراقص أمام
عينيّ البطل، زاحفة نحوه بأعداد كبيرة، ولاحت له بينها أجساد عارية لنسوة
ورجال، أخذ يرقبها وهي تتقدم حتى إذا أصبحت على مدى قريب منه، وزاوله كل
شكٍ باليقين بأنها إنما تقصده وتقصد بالأخص نقطته التي كلّف بحمايتها ومنع
أحد من دخولها، صرخ يأمر المتقدمين بالتوقف مخاطباً إياهم باللغة
الإنكليزية لكنه عرف من أشكالهم وعريهم أنهم غرباء، ولكنهم لم يتوقفوا..
واستمروا في سيرهم المريب، حتى إذا لم يدعوا أيّ مجال للانتظار، أطلق النار
في الهواء محذّراً، ولكنهم سخروا من تلك النار، فوجهها نحوهم بعد أن فرغ
صبره، وبعد أن رأى بعضهم يبصقون باتجاهه، وباتجاه علمه المصري، فكان أن
سقط سبعة قتلى وجريحان.
تلك هي القصة الحقيقية والتي لم يقترف فيها سليمان خاطر أي ذنب اللهم سوى
تنفيذه لأوامر رؤسائه كما قال في اعترافه أمام المحقق العسكري:
«دي نقطة ممنوعة، وممنوع احد يتواجد فيها، وده أمر. ولاّ يبقى خلاص نسيب
الحدود ونهدّي النار؟ أمّال انتم قلتم ممنوع ليه؟ أنا لو كل واحد أسيبه
يخشّ النقطة، برضه حتحصل عواقب وخيمة»(1).
الموازين تنقلب
كان تصرف سليمان خاطر: الرقيب المجند .. تصرفاً صحيحاً وسليماً وكان من
المفروض أنه لو لم يقم به لاستحق أن يحكم بأقصى وأشدّ العقوبات. ولكنّ
شيئاً ما قلب كلّ الموازين، وغيّر المنطق.
الخوف من القضاء المصري!
كان سليمان خاطر من رجال الأمن لا من رجال الجيش. فالمحكمة المختصة بالنظر
في دعواه إذاً هي محكمة عادية، والنيابة العامة أو من يمثلها هي من يجب
أن يقوم بالتحقيق الأوّلي في الموضوع. إلاّ أن المسؤولين المصريين كانوا
متأكدين من أنّ القضاء المصري النـزيه سيبرئ ساحة هذا الشرطي البطل لأنه لم
يفعل سوى القيام بواجبه، وأن من الممكن أن تنشر أمامه أي أمام القضاء
أمور لا يحبّ المسؤولون أن تعرف. فقد فجّر سليمان خاطر قضيّتين
خطيرتين(1):
الأولى تتعلق بالمهمات التجسّسية التي تقوم بها النساء الإسرائيليات
العاريات أو شبه العاريات على نقاط الحدود المصرية أشباه تلك المرأة
الإسرائيلية التي عملت كما يقول خاطر:
«عملت سكرانه ومسطوله ودخلت ونامت في شاليه فيه جهاز إشارة. وطبعاً دي
جايه مأمورية وأخذت التردد أكيد، ومشيت. وكلهم بيطلعوا مأموريات واحنا
بنطلع مغمّضين».
أما القضية الثانية فهي ارتباط معظم ضباط وجنود الأمن المركزي في سيناء بالإسرائيليين. ويقول سليمان هنا:
«كلّه عمال يشتغلوا مع الأجانب وحيضيّعوا البلد. شغّلوا عليهم المخابرات وشوفوا همّه بيروحوا فين».
لقد فات سليمان خاطر أن المخابرات المصرية لم تكن مغمضة العينين أو جاهلة
بواقع الأمر، إلا أنها لم تكن، في الحقيقة، مستاءة من هذه القضايا بل
لعلها كانت تشجعها بتوجيه من المتصهينين للمسارعة في تطبيع العلاقات.
إذاً. فالنظر أمام القضاء العادي بموضوع سليمان خاطر يحتوي على كثير من
المخاطر، فقد يركب القضاء الموجة الوطنية التي ركبتها المعارضة المصرية
نتيجة لفعل رقيب الشرطة هذا، فتأتي العواقب وخيمة، لأنها قد تحرك السوط
الإسرائيلي هناك، على ظهور المسؤولين المصريين الذين ليس من شبيه لهم